الجمعة 10 ، شوال لعام 1445 الموافق 19 ، أبريل لعام 2024 10/10/1445 هـ الموافق 19/04/2024 م
logo main

تفاصيل الخبر

الاستثمار في غير (المدن الكبرى) خسارة: مركزية الأنظمة تقتل والمرونة تنعش

  • قينان الغامدي
  • 3 ، ربيع الثاني 1437 الموافق 13 ، يناير 2016
  • جريدة الوطن

في وطننا (المملكة العربية السعودية) 13 منطقة إدارية، وأصغر واحدة منها مساحة تعادل مساحة دولتين عربيتين أو أكثر، وأنا لا أورد هذه المعلومات من باب التفاخر، مع أن هذا من حقي، لكني أورده لأقول إن هذه المساحة الشاسعة للوطن أفضت إلى أمرين مهمين هما: أولا: طول المسافات بين منطقة وأخرى، بل وطول المسافات بين المحافظات في كل منطقة، ولهذا فإن مشاريع الطرق البرية وحدها في المملكة تعد من أعظم الإنجازات الكبرى التي تحققت وقد أنفق عليها مئات مليارات الريالات طيلة العقود الماضية. الأمر الثاني: أن التكدس السكاني والنشاط الاقتصادي والاستثماري تكاد تكون محصورة بصورة رئيسة في المناطق الكبرى الثلاث (الرياض، ومكة المكرمة، والشرقية)، بل تكاد تنحصر في المدن الرئيسية من المناطق الثلاث، بمعنى أن هناك محافظات أخرى تابعة للمناطق الثلاث نفسها لم يصل إليها المستثمرون، بل إن أبناء تلك المحافظات يذهبون إلى المدن الرئيسية في مناطقهم ليستثمروا ويسكنوا فيها، مع أن كافة الخدمات (كهرباء، ماء، هاتف، تعليم، صحة، طرق.. إلخ) الموجودة في المدن الكبرى موجودة حتى في القرى، فلماذا بقية المناطق العشر والمحافظات البعيدة في داخل المناطق الثلاث الكبرى لا يرغبها المستثمرون، بل عازفون تماما عنها حتى لو كانوا من أبنائها؟! 
سألت أحد كبار المستثمرين السعوديين الشيخ عبدالمحسن الحكير، وهو منتشر استثماريا في معظم المناطق، وصاحب مشروعات رائدة في مجال الخدمة الاجتماعية، فقال: أولا فمعظم استثماراتي في المناطق البعيدة ضعيفة المردود، وبعضها لا تغطي نفقاتها، وذلك كله عائد لعدم وجود حركة معظم فصول السنة، أما سبب عزوف المستثمرين أو عدم إقبالهم فهو انعدام الحوافز، فأنظمة الحكومة التي يجب على المستثمر مراعاتها والالتزام بها تعتبر طاردة تماما، وضرب الحكير مثلا بسيطا فقال: تخيل أن تكلفة استئجار موقع لوحة دعائية من البلدية على شارع الملك فهد بالرياض هي ذات التكلفة لموقع مماثل في محافظة العقيق بالباحة، وهي ذاتها على كورنيش جدة أو كورنيش القنفذة، وهذا يجيء انسجاما مع نظام الأمانات والبلديات الموحد في جميع مناطق المملكة ومحافظاتها، وعلى ذلك قِس بقية أنظمة الحكومة الاستثمارية والسياحية وغيرها، فكيف تريد مستثمرا في قطاع الفنادق -مثلا- ينشئ فندقا من فئة (5 نجوم) في الرياض أو جدة أو الدمام، ثم يلتزم بذات الشروط والمواصفات إذا أراد أن يستثمر في فندق مماثل بمدينة الباحة!!! هل يتخيل أحد أن العائد على رأس المال في الرياض سيكون هو نفسه في الباحة أو حائل أو الجوف وغيرها!! وهل يعقل أن تكون الشروط والأنظمة البلدية والاستثمارية والسياحية التي تطبق في الرياض وجدة والخبر هي ذاتها في ضبا أو رماح؟! 
إذن الحل لمناطق الأطراف، ولمحافظات الأطراف داخل كل منطقة هو (المرونة)، والمرونة تعني أن يقول مجلس الوزراء للأنظمة كلها، وداعا للمركزية، ويتيح لكل منطقة أن تدرس كل نظام وتضع التعديلات المناسبة التي تغري المستثمرين، وتحفز أبناء تلك المناطق والمحافظات الطرفية بأن يبقوا فيها، خاصة رجال الأعمال والاستثمار منهم، وهكذا يمكن أن نخفف الضغط الشديد على المدن الكبرى مثل الرياض وجدة والدمام وغيرها، ولو قام مجلس الوزراء باتخاذ قرارات بنقل مقرات بعض الكليات العسكرية وبعض الجهات الحكومية التي يتناسب اختصاصها مع جغرافية بعض المناطق لكان ذلك أفضل، ولرأينا -على الأقل- قليلا من مظاهر الزحام التي تختنق بها الرياض وجدة على مدار الساعة. المركزية تقتل الإبداع، والمرونة تدعمه وتدفعه نحو الصدارة.