لا أعتقد أن سكان جدة لم يكونوا على علم بكثير من الشوارع التي تم الاعتداء عليها بإغلاقها أو ضمها أملاكا خاصة داخل الحيز السكني أو الأراضي التي يملكها بعض الذين يعتقدون أنهم بمالهم وجاههم فوق الأنظمة وأقوى من الذين أصدروها وقادرون على فعل ما يريدون دون خشية من أحد. الأغلب أن الجميع كانوا يشاهدون تلك المهزلة لكنهم يترددون في الإبلاغ عنها لسبب وجيه ومنطقي هو يقينهم أن المسؤولين عن تصحيح هذا الوضع على علم بما يحدث ولو كانت لديهم النية لتصحيحه لفعلوا ذلك، وبالتالي لا فائدة من الإبلاغ عن تلك المخالفات، وربما لو فعلوا لتعرضوا لمتاعب هم في غنى عنها.
الشرارة الأولى التي فتحت هذا الملف كانت عبارة «كفاية دلع» التي تهكم بها أحد الأثرياء على المجتمع في وقت حساس فأشعلوا مواقع التواصل احتجاجا عليه، وكشفوا مخالفاته التي كان منها استحواذه على شارع بجانب قصره المنيف، لتبادر إمارة المنطقة بإصدار قرارها بإزالة المخالفة فورا وفتح الشارع. هذه الحادثة شجعت الناس وطمأنتهم إلى أن هناك من يتضامن معهم في تصحيح الخطأ، وألا أحد فوق الأنظمة كما يتوهم. بعد هذه الحادثة توالى رصد الشوارع المعتدى عليها وتوثيق الاعتداءات ونشرها في مواقع التواصل، لكن لم يكن يخطر ببال أحد أن عددها سيصل إلى 154 شارعا كما نشرت «عكاظ» يوم الأحد الماضي.
لقد قامت إمارة المنطقة بتشكيل لجنة من عدة جهات لحصر تلك الشوارع فوجدت ذلك العدد الكبير، وتم تحرير وإعادة فتح 142 شارعا اعتدى عليها أشخاص بأكثر من طريقة ووسيلة، تخيلوا 142 شارعا في مدينة واحدة ومنذ فترة طويلة وأمام أعين الجميع. ألم يشاهدها أحد من مسؤولي الأمانة أو المرور أو إدارة الطرق أو بقية الجهات المسؤولة عن أوضاع المدينة؟. يستحيل أنهم لم يشاهدوها أو يعلموا عنها لأنها شوارع عامة بطولها وعرضها، موجودة في خرائطهم وأوراقهم الرسمية، لكنهم عندما تغاضوا عنها في البداية شجعوا على زيادة واستمرار التعدي على المزيد منها بشكل استفزازي للمجتمع وتحد سافر لشعور المساواة بين المواطنين وامتثال الكل لأنظمة الدولة.
النظام لا يستطيع أحد تحديه إلا عندما يجد تراخيا من بعض المسؤولين لتنشأ الفوضى والسطو على مقدرات الوطن وحقوق المواطن، وبودنا لو تتكرم إمارة المنطقة مشكورة بنشر كل أسماء المعتدين على تلك الشوارع في الصحف للتشهير بهم ووضعهم في حجمهم الحقيقي لردع غيرهم. كما أنه مهم جدا محاسبة المسؤولين الذين مرروا تلك المخالفات، فتحرير الشوارع المغلقة لا يكفي دون تحرير الإدارات من المتسيبين والمتواطئين مع التجاوزات.