الخميس 16 ، شوال لعام 1445 الموافق 25 ، أبريل لعام 2024 16/10/1445 هـ الموافق 25/04/2024 م
logo main

تفاصيل الخبر

مقاربات بين الشعبي والفصيح المسجد الأبيض، وشعيب الدرعية، نمار، المعيزيلة، وكيلو 6

  • عبدالله الجعيثن
  • 18 ، ربيع الثاني 1438 الموافق 16 ، يناير 2017
  • جريدة الرياض

مقاربات بين الشعبي والفصيح

المسجد الأبيض، وشعيب الدرعية، نمار، المعيزيلة، وكيلو 6

ماء وادي نمار يتميز بالصفاء والعذوبة

عبدالله الجعيثن

لا أظن أحداً من جيلي ويعيش في الرياض، ينسى المسجد الأبيض الذي كان على طريق صلبوخ، بعد الدرعية بقليل، على يمين الرائح، حين كان طريق صلبوخ ضيقاً وذا مسار واحد.. ما إن تتعدى الدرعية بقليل، حتى يظهر لك المسجد الأبيض ذات اليمين، وهو محدود المساحة، لكنه ذائع الشهرة، يتواعد عنده محبو البر والسمر، وفيه ماء عذب، و(دكّة).. ماإنْ تلف بجانبه، وتضعه على يمينك، وتسير قليلاً حتى يلوح لك (شعيب الدرعية) المشهور جداً آنذاك، والممتلىء بعشاق الصحراء، وخاصة وقت المطر، حيث يجري ذلك الوادي سلسلاً في سلسل، ترى حصباءه البيضاء من خلال الماء، وشجرة الطلح الكبيرة رأسها فوق الماء، وأوراقها الخضراء تهتز جذلى، وعلى جنبات الوادي يوجد خلق كثير من هواة البر وعشاق الطبيعة، عوائل وعزاباً، أكثرهم قد أخذوا معهم طعام الغداء، والقهوة والشاي، وفرشوا البسط وربما المراكي، واستمتعوا بجمال الوادي، وطلاقة النسيم، وجريان الماء، ولمعان الصخور، ونضارة الشجر، ورائحة نبات الصحراء المُخْضَلّ مع الماء، حيث يحمل (نسيمُ النعيم) تلك الرائحة الزكية، ويهبُّ بها على كل المتنزهين، فتملأ الخلايا والحنايا بالسرور والحبور، والانطلاق والابتهاج، وتفتح شهيتهم للطعام وللحياة، وتُريحهم من عناء العمل، وغثاء المدن، وتربطهم بماضيهم العريق الممعن في حب الصحراء، وعشق البر، حين كان أجدادهم الأولون ينطلقون في رحابة الصحراء كالخيول البريّة.. و(شعيب الدرعية) كما كنا نسميه -من روافد وادي حنيفة، ومكانه شمال الدرعية، وهو مرتفع عنها كثيراً، ويقع بينها وبين العمارية، وهو للدرعية أقرب، وشعيب تصغير (شِعْب) فصيحة، وهو الصدع بين جيلين، ويشمل ذلك الوادي الصغير المتعرج ، وهو يُعْشِبُ غِبَّ المطر، بعد أن يجري..

أما (نمار) فكنا نمر به عن طريق الحجاز القديم ومعنا أوعية بلاستيكية كبيرة (جيكات) نملؤها من مائه العذب، لنعود به إلى بيوتنا فرحين.. وماء نمار كان في غاية الصفاء والعذوبة.. وتاريخها قديم، يقول الأعشى (وهو من سكان منفوحه قرب نمار):

قالوا: نَمارٌ فبطنُ الخالِ جادهما

فالعسْجَديّةُ، فالأبلاءُ، فالرّجَلُ

وبطن الخال هو وادي لبن، والعسجدية والأبلاء والرّجَلُ روافد لوادي حنيفة، وسيل هذه الروافد يجعل منفوحة ترتوي وترسم أبهى لوحات العشب والخصب.

أما (المعيزيلة) فكانت كثباناً من الرمل الأحمر الجميل، على طريق (خريص) القديم، قرب (استاد الملك فهد) الآن وماحوله، كانت صحراء ذات سحرٍ أخّاذ، تشكيلات الرمال فيها أحلامُ فنان، وهواؤها العليل يشفي الإنسان، وامتداد الصحراء حول أطراف نفودها يمنح البصر حرية بلا منتهى، ويمنح الخيال انطلاقاً بلا مدى، لذلك يخرج لها كثير من سكان الرياض، وخاصةً بعد صلاة الجمعة، إذ كانت الإجازة يوم الجمعة فقط.. وعلى طريق خريص القديم، قبل المعيزيلة، ومقابلها يوجد عدد قليل من (القهاوي) جمع (قهوة) فيها كراسي طويلة تسمى (المراكيز).. مريحة.. مطلة على بحر الرمال.. ويوجد مثلها على (طريق الحجاز القديم) كيلو 6 و(القهاوي) أو (المقاهي) في كيلو 6 أكثر منها في طريق خريص بكثير، وكبسة اللحم والدجاج بريالين! وكل من يعمل فيها سعوديون، في ذلك الزمن القديم، والجميل، وربما كان جماله بسبب قدمه، وأنه صار ذكرى يحبها القلب، ويحن لها الوجدان، ومثلها (ساقي الخرج) وسبق أن كتبت عنه في هذه الصفحة، وماله من ذكريات عطرة، ومافيه من عيون الماء التي تفيض وتسيح، وساقيه دائم الجريان، وأشجار (الكينا) العملاقة تقدم للرواد الظل الظليل، والنسيم العليل، والزهور والنباتات البريّة تتمايل على جانبي الساقي، وتمتع النظر والشم والخيال وكل الحواس.

وقتها كانت (الرياض) مدينة صغيرة، وديعة، ذات حارات متقاربة، وبيوت متراصة، وإمكانات متواضعة، ثم جاءت النهضة الكبرى فصارت تلك المعالم، باستثناء ساقي الخرج، في وسط مدينة الرياض التي نمت بشكل هائل وتوسعت بما لا يتخيله أحد منا، وفي فترة وجيزة، بحيث صارت تضاهي أعرق وأكبر المدن في العالم، مع انتشار الحدائق والأشجار في كل نواحيها وشوارعها، ومع أن هذا التوسع مدهش فعلا، فإنه مكلّف جداً، ونأمل أن تخف الهجرة إلى الرياض، ومدن المملكة الأخرى، ويتم التركيز على تنمية القرى، وإيجاد فرص العمل فيها، فهي أسهل في المعيشة ولا يوجد فيها زحام، وكثير من المتقاعدين نزحوا إليها سعداء، حيث الهدوء وقرب الصحراء، وقلة الضوضاء.

إنه حديث عن بعض الأماكن التي تعبق بالذكريات، والإنسان بدون ذكريات كالنظّارات بدون عيون، لهذا يُخَلِّد الناس ذكرياتهم بكل الوسائل، كالصور واللوحات والرسائل، والأشعار القديمة والحديثة.

ذكرت جيرة نجد يوم دراهم

داري وسمار ذاك الحي سماري

في منحنى العرض من وادي ابن عمار

أوقفت في ربعه المأنوس تسياري

حيث الصبا عشته غضٌّ بساحته

وحيث عُمّار هذا الربع سماري

عبدالله بن خميس

عسى السحاب اللي تثقّل بالأمطار

تنثر على (وادي حنيفة) مطرها

تنثر عليه من المخاييل مدرار

تسقي طلول سهولها مع وَعَرْها

دارٍ لها في ماضي الوقت تذكار

يجيبنا تاريخها عن خَبَرْها

الأمير / عبدالله بن محمد بن سعود

باقى من الذكـرى رسـوم للأطـلال

هـوج الريـاح العاتيـه ما مَحَتْـهـا

أظنهـا تبقـى علـى مـرّ الاجيـال

تنبيـك عـن قـدرة يديـنٍ بَنَتْـهـا

عبدالله السلوم