الخميس 16 ، شوال لعام 1445 الموافق 25 ، أبريل لعام 2024 16/10/1445 هـ الموافق 25/04/2024 م
logo main

تفاصيل الخبر

تصريف السيول أم تصريف المسؤولية

  • سطام المقرن
  • 24 ، جمادى الأولى 1438 الموافق 21 ، فبراير 2017
  • جريدة الوطن

تصريف السيول أم تصريف المسؤولية

هل وصلت إلى المباني خدمات الكهرباء وسفلتة الشوارع والإنارة؟ وهل لدى ساكنيها صكوك ملكية؟.. إذا كانت الإجابة بنعم.. فهذه المباني ليست عشوائية ولا توجد تعديات منها على مسارات الأودية

 

 

تعرضت عدد من مدن المملكة في الأيام القليلة الماضية إلى هطول أمطار غزيرة، تلتها فيضانات للمياه والسيول، وتعرض بعض أحياء المدن لأضرار بالغة في الممتلكات العامة والخاصة، وإلى غرق  بعض المنازل والسيارات والطرق الرئيسية وشوارع الأحياء والأنفاق لعدة ساعات، الأمر الذي أدى إلى تذمر المواطنين، وإلقاء اللائمة على أمانات المناطق، وتصريحات المسؤولين فيها، التي تتناول خطة كل أمانة لمواجهة أخطار السيول، ويرون أن هذه الخطط لم تنفذ بالشكل الذي أظهرته التصريحات الإعلامية السابقة.
وكالعادة ومع تكرار حوادث السيول والأمطار في السنوات الأخيرة، لا ينسى بعض المسؤولين في الأمانات تبرير هذه الكوارث واستعراض إمكانات الأمانة وإنجازاتها في مواجهة السيول، فعلى سبيل المثال صرّحت أمانة المنطقة الشرقية بالقول إن "كمية الأمطار التي هطلت خلال 24 ساعة تعادل حالة مطرية لعام ونصف العام"! وصرحت أمانة منطقة عسير بالقول إن ما حدث من "أمطار تاريخية على أبها، حيث هطلت كميات غير مسبوقة من الأمطار في منطقة جبلية يكون فيها انحدار المياه سريعا وقويا، وهذا كان أكبر مسبب لإغلاق الشوارع".. بالإضافة إلى تعدي بعض المواطنين على مجاري الأودية والسيول!.
وليسمح لي أمناء الأمانات في المناطق والمدن التي تضررت من مياه الأمطار والسيول بتوجيه بعض الأسئلة والاستفسارات إليهم، وهي كالتالي:
من المتعارف عليه أن العديد من شركات العقار تقوم بشراء الأراضي البيضاء في أي مكان تريد وبلا حدود، ثم تقوم بتطوير هذه الأراضي من خلال السفلتة والإنارة، حتى وإن كانت رديئة أو سيئة، وتقوم أيضا ببناء بعض المباني السكنية والتجارية، ومن ثم بيعها للناس، ليقوم المواطنون والمطورون بعد ذلك بالضغط على وزارة المياه والكهرباء لإيصال الخدمات إلى هذه المخططات التي ربما تكون بعيدة عن النطاق العمراني، وبناء على تصريح أمانة منطقة عسير بوجود مبان سكنية مأهولة ومزارع تعترض مسارات الأودية، وهي عبارة عن تعديات، ولكن هل هذه المباني قد وصلت إليها خدمات الكهرباء وسفلتة الشوارع والإنارة؟ وهل لدى ساكنيها صكوك ملكية؟.. إذا كانت الإجابة بنعم.. فهذه المباني ليست عشوائية ولا توجد تعديات.. والسؤال الأهم: من المسؤول عن بناء هذه المخططات السكنية في مجاري الأودية؟ وماذا عن مسألة تخطيط المدن في الأمانات والبلديات؟.
قد تشتكي بعض الأمانات من عدم استكمال مشاريع تصريف مياه الأمطار، والتي تم اعتمادها بناء على دراسة درء أخطار السيول، وذلك بسبب وجود إجراءات بيروقراطية تتعلق بالاعتمادات المالية التي تتم في الغالب على مراحل، وكذلك إجراءات ترسية المنافسات، ولكن السؤال الذي أطرحه بهذا الخصوص: ماذا عن أداء تنفيذ الشركات المتعاقد معها من قبل الأمانات لمشاريع تصريف مياه الأمطار المنفذة حاليا في المدن المتضررة من السيول؟ وماذا عن كفاية الجهاز الإشرافي على هذه المشاريع؟ وماذا عن متابعة توصيات دراسة مخاطر السيول؟ وماذا عن صيانة شبكات التصريف القائمة حاليا في تلك المدن؟.
الأسئلة السابقة قد تمثل أحد الأسباب الجوهرية لما حدث من آثار سلبية جراء حوادث السيول، فربما تكون هناك أخطاء فنية وهندسية ارتكبها المقاولون عند تنفيذ مشاريع تصريف السيول، أو ربما هناك عدم مطابقة لأوامر العمل وجداول الكميات، بالإضافة إلى احتمال تدني جودة المواد المستخدمة في الردم، وعدم الالتزام بالمواصفات المتعاقد عليها لأعماق وأساليب الحفر، أو يحتمل أن يكون هناك تعثر أو تدن في نسب الإنجاز أو توقف نهائي عن تنفيذ عدد من المشاريع، لأسباب قد تكون من المقاول أو من قبل الأمانات والبلديات.
العديد من الأمانات والبلديات تعاني من عدم كفاية الإشراف، وبالتالي ضعف الرقابة ومتابعة تنفيذ تصريف السيول والأمطار، فهناك نقص في التخصصات الهندسية المطلوبة لمشاريع تصريف الأمطار، بالإضافة إلى وجود خلل في أنظمة الرقابة الداخلية، تتمثل في ضعف الإدارة ونظم الاتصالات والمعلومات الخاصة بتقارير الإشراف، وعدم بذل العناية المهنية اللازمة من قبل المكاتب الاستشارية المشرفة، إن وجدت اتفاقيات معها بهذا الخصوص.
أما فيما يتعلق بعقود مشاريع دراسة درء أخطار السيول مع مكاتب الاستشارات الهندسية، فيفترض أنه قد نتج عن هذه الدراسات وجود عدد من المخاطر في الأحياء والمخططات السكنية في المدن، وعلى ضوء ذلك هل قامت الأمانات بمخاطبة الإدارات والجهات ذات العلاقة بتوصيات الدراسة التي تتمثل في إزالة التعديات على سبيل المثال، وتعديل المخططات واقتراح المشاريع المستقبلية، وما إلى ذلك، ونظرا لأهمية التوصيات التي تضمنتها تلك الدراسات، فهل توجد تقارير دورية لمتابعتها؟.
أما بخصوص صيانة شبكات التصريف القائمة، فهل تم تحديد مسؤولية الصيانة بين الأمانات وفروع وزارة البيئة والمياه والزراعة في المدن أو شركة المياه الوطنية، أم ترك الأمر للإجراءات البيروقراطية وظلت هذه الشبكات من دون صيانة لعدم تحديد المسؤولية؟ فمن المعلوم أن الصيانة والتشغيل لمشاريع تصريف الأمطار تمثل ركنا أساسيا في مثل تلك المشاريع، وأي تأخر أو خلل فيها، فإن ذلك يشكل خطرا على السكان، فضلا عن عدم الاستفادة من مشاريع تصريف السيول وعدم تحقيق الهدف الذي أنشئت من أجله.
الأسئلة السابقة كان من المفترض أن تسألها الجهات الرقابية المختصة لتحقيق مبدأ المساءلة من خلال القيام بمهمات رقابية وفق المعايير المهنية مع تزويد الجهات العليا بتقارير لتحديد حجم المشكلة والمسؤولية عنها، وكان من المهم أيضا أن تتطرق الأمانات إلى مثل هذه الموضوعات في تصريحاتها الإعلامية، فالشفافية تمثل إحدى أهم أدوات المساءلة والمحاسبة والكشف عن أوجه الفساد والحد منها.