الجمعة 10 ، شوال لعام 1445 الموافق 19 ، أبريل لعام 2024 10/10/1445 هـ الموافق 19/04/2024 م
logo main

تفاصيل الخبر

حرب المبيدات

  • 23 ، ذو القعدة 1438 الموافق 15 ، أغسطس 2017
  • جريدة الجزيرة

ذات يوم في شارع سلام حيث متاجر بيع اللوازم الزراعية: أدوات، أسمدة، ومبيدات زراعية، مبيدات وأسمدة تتفاوت درجات سميتها من مبيد عام يبيد كافة الحشرات والكائنات التي تتغذى على النباتات فوق الأرض إلى ما يبيد الفطريات تحتها، لفت نظري شاب سعودي ابتاع كمية كبيرة من مبيد رخيص عالي السمية، مبيد شهير تستخدمه غالبية المزارعين ومحلات تنسيق الحدائق التي تعج بها جواد شوارعنا الكبيرة على أنه المبيد المعتاد المفيد بسبب سميته العالية وقدرته على إبادة كافة الآفات. وفوق أحد كراتين هذا المبيد الرخيص شاهدت ثلاث عبوات من مبيد آخر أوربي مرتفع الثمن، كتب عليه مبيد عضوي. فسألت الشاب عن استثناء هذه العبوات الثلاث فأجاب: هذه المبيدات في الكراتين لمزرعتنا للمنتج الذي ننزله للسوق، أما المبيد العضوي فهو للنخل الذي نستهلكه نحن، وأضاف إذا كنت تريد المنتج الآمن لك ولأهلك خذ هذا، وأشار للمبيد العضوي.

المبيدات الزراعية هي في حقيقتها سموم كيماوية، وبعض ما يباع منها في أسواقنا من أخطرها حظرته دول كثيرة. ولا تتوقف قضية المبيدات عند النوع أو درجة السمية بل تتعداها لأسلوب الاستخدام ومراعاة المخاطر: الكميات المستخدمة للرش، عدد مرات الرش، فترة التحريم أي فترة الحظر من الاستهلاك بعد رش المبيد؛ وتُعَد الأخيرة أهم تعليمات السلامة في استخدام المبيد حتى لا يتسمم أو يهلك المستهلك له بشكل بطيء. وتتفاوت فترة التحريم من عدة أيام أو أسابيع إلى أشهر حسب نوعية المبيد ودرجة سميته. وجميع المبيدات خطرة سواء بفترة تحريم أو بدونها والاختلاف هو في درجة الضرر فقط. وغالبيها تتسبب في أمراض خطيرة كالسرطانات وأمراض الكبد والكلى، وربما حتى التشوه الجنيني فيما لو استهلكتها نساء حوامل بكميات كبيرة.

الحديث عن السميات الكيماوية (المبيدات) يجرنا أيضاً للتطرق للمياه الملوثة، مياه المجاري التي تسقى بها مزارع كثيرة حول المدن الرئيسة في بلدنا وتجلب منتجاتها مباشرة لأسواق الخضار في كل مكان. ورغم الشكاوى المتكررة من خطورة هذه المياه لنقل الأمراض لم يحرك أحداً ساكناً في هذا المجال. فكثير من مزارعنا تعمل بها عمالة أمية أو شبه أمية تجهل مصدر الخطر، أو عمالة متعلمة لا تقيم وزناً لحياة المواطن، فلا تراعي نظافة المياه، ولا نوعية الإنتاج، ورقي أو ثمري، ولا تكترث لنوعية المبيد أو عدد مرات الرش أو فترة التحريم. فصحة المواطن في آخر أولوياتها، المهم جلب منتجات مغرية الشكل تباع بأعلى سعر.

في منطقة القصيم أقام شباب مختبر صغير يتأكد فقط من عدم تجاوز المبيد حد الخطر فقط وأضافوا لسعرها عدة ريالات وحققوا مكاسب كبيرة في سوق المزارع. والجميع سمع عن اختفاء كثير من التمور من سوق عنيزة قبل أسبوع بمجرد أن قررت أمانة المدينة فحص هذه التمور من سموم المبيدات والأسمدة، ويجزم البعض بأنّ هذه المنتجات المسمومة توجهت لأسواق أخرى حيث لا يوجد فحص وتنعدم الرقابة، ومنها للأسف أسواق مدننا الكبرى.

الموضوع بطبيعة الحال قديم متجدد، وقد سبق وتكلمت حوله مع بعض مسئولي الزراعة عندنا فنصحوني بالمنتجات العضوية التي ينتجون غالبيتها بأسعار باهظة الثمن: فسعر كيلو الطماطم المسمم بالمبيدات مثلاً أربعة ريالات، يقابله العضوي بثمانية عشر ريالاً، وكلمة عضوي قد تعني فقط استخدام مبيد عضوي. وكثير من القادرين أنشأوا مزارع خاصة بهم للأطعمة والمواشي التي يستهلكونها لإدراكهم عدم سلامة المنتجات الزراعية. والأمر وللأسف ينطبق على الفواكه والخضار المستوردة من دول فقيرة مجاورة فهي عادة لا تفحص للتأكد من خلوها من المبيدات.

ويعزي بعض الأطباء والخبراء ارتفاع نسبة الإصابة بالسرطانات بين المواطنين لاستخدام المبيدات والأسمدة الزراعية بهذا الشكل البدائي العشوائي؛ وارتفاع حالات الإصابة بأمراض الكبد والكلى لاستهلاك خضار سقيت بمياه ملوثة. وفي ظل غياب التشريعات الواضحة، وضياع المسئولية بين عدة جهات: الزراعة، هيئة الغذاء، أمانات المدن، صحة البيئة ... الخ. بقي الوضع معلقاً كل جهة تلقي بالمسئولية على جهة أخرى. وفي خضم هذه الفوضى تفاقم الوضع بشكل مخيف. فلا بد من تأسيس جهاز مستقل خاص بسلامة الغذاء المحلي والحفاظ على صحة المواطن البسيط تمكن مساءلته عند التقصير. فغالبية المواطنين المساكين، علاوة على عدم قدرتهم على شراء منتجات عضوية أو مستوردة، لا تستطيع تحمل كلفة العلاج الباهظة فيما بعد. فلا بد من إيقاف هذه الحرب بالمبيدات الكيماوية والمنتجات الملوثة التي تشنها العمالة المستوفدة أو بعض ضعاف الأنفس من المواطنين السعوديين على صحة المواطن.