السبت 11 ، شوال لعام 1445 الموافق 20 ، أبريل لعام 2024 11/10/1445 هـ الموافق 20/04/2024 م
logo main

تفاصيل الخبر

التمدد الأفقي ونمو السكان

  • فؤاد عبدالعزيز العسيري
  • 8 ، محرم 1440 الموافق 18 ، سبتمبر 2018
  • صحيفة مكة

بحسـب البنك الدولـي فإن سـكان المدن في العالـم عـام 1960 كانـوا 33 %مـن أصـل 3 مليـارات نسـمة، وهـو تعـداد سـكان العالم حينهـا، أي نحـو 990 مليـون نسـمة مقابل 67 %يسـكنون الأريـاف والقـرى، بينمـا في 2017 هناك 55 %من أصل 4.7 مليارات نسمة يسـكنون فـي المـدن أي نحـو 1.4 مليـارات نسـمة، وفـي عـام 2050 سـوف تحتضـن المدن 68 %من سـكان العالم بحسـب تقرير مكتـب الاقتصـاد والشـؤون الاجتماعية في الأمم المتحدة الصادر فـي مايو 2018 ،أي إن المدن التي بنيت وتوسـعت خلال آلاف الأعوام اسـتطاعت حتى اليـوم اسـتقبال 4 مليارات نسـمة فقط، وعليها أن تستقبل 4.3 مليارات نسـمة إضافيـة خـلال 32 عاما فقط. في السعودية يسـكن اليوم 84 %من السكان في المدن أي نحو 27 مليون نسـمة من أصل 33 مليونا هم تعداد سـكان السـعودية الذين توطنوا في هذه المدن عبر قرون، وبنفس رتم النمو السـكاني والهجرة الحالية للمدن علينا زيادة اسـتيعاب المدن لنحو 9 ملايين نسـمة إضافيـة خـلال 32 عاما قادمـة فقط، فكيف نسـتطيع توفير ذلك؟ هذا أشبه بالمعجزة إذا لم نغير في سلوك التمدد الأفقي المفرط الذي يستهلك موارد ومساحات كبيرة ويخدم كثافة سكانية قليلة، وقد تحدثنا في المقال السابق عن التمـدد الأفقي وأسـميناه نمط الضواحي لأنـه النمط الغالب فـي أطـراف المدينة وهو النمط الذي يشغله سكان قليلون في مساحة كبيرة، أي أقل من 1000 نسمة لكل كلم2 .فما هو النمـط الغالب في المدن السـعودية؟ مع الأسـف إنه نمـط تمـدد أفقـي، أي إن معظم المـدن السـعودية بيئـات ضواح فـي الغالب، وليست بيئات حضرية، أي Suburban وليست Urban فكيف ينشـأ ذلك؟ ينشـأ ذلك بسبب سـيطرة الرغبة في تحقيق الرفاهيـة والعزلـة الفرديـة السـكنية التـي يدعهما عنصران أحدهما الوفرة المالية والآخر الانغـلاق الاجتماعي، والتي تأخذ شـكلا ماديا في مسـاحات كبيـرة للمنازل التـي قد تفوق في الغالـب في نمط الفلل في السـعودية 75 م2 كمتوسـط مسـاحة لكل فرد، والتي تؤدي إلـى انخفاض عـدد الوحـدات السـكنية لكل كلـم2 ،وبالمقارنـة فإن بلدية لنـدن مثلا في دليل مواصفات مسـاحات المنـازل Housing Standards Space الصـادر فـي 2006 تضع الحد الأدنى 22م2 لشخص أو شخصين والحد الأعلى 37م2 للشـخص، و44م2 لشـخصين، وهكـذا تزيد المسـاحة فـي زيـادة تناقصية، وهـذا ما توصـي بـه تقريبا منظمـة الصحة العالمية مهما اختلف نمط الوحدة السـكنية، وكذلـك توصيات المعهد الملكـي للمعماريين Royal Institute of British البريطانييـن Architects فـي تقريره لعـام 2011. الرفاهيـة الفرديـة تحقـق أهدافـا قصيـرة المـدى، ولكنهـا تزيـد تكلفة المعيشـة على المـدى البعيـد، وتشـكل تراكمـات عـدة مثل كـرة الثلـج المتدحرجـة، فهـي تقلـل فرص التفاعل الإنسـاني فـي الأحياء، وهذا يسـاعد فـي عـدم معرفـة الغريب الـذي يتجـول في الحـي وهذا أحـد أسـباب نمو السـرقات في بيئـات الضواحـي، وأيضا تقلل فـرص التنقل مشيا أو بالدراجة لأن المرافق تكون متباعدة، وهـذا يؤثر سـلبا على الصحـة العامة ويرفع تكلفة الخدمات الصحية مع تقدم العمر، كما أن الاعتمـاد الكلي على السـيارة يرفع تكلفة النقـل علـى الفرد من حيث لا يشـعر بسـبب تباعـد المرافق والخدمات، وكذلـك يزيد تلوث الهواء والضوضاء ويزيـد الازدحام، ولكل ذلك تراكمـات سـلبية اجتماعية وصحيـة عدة. إذن لا بد لنا أن نفكر جديا في استحداث أنماط سـكنية حديثة تقلل من الهدر في المسـاحة ولعـل أحدها ما يعـرف بــ middle Missing Courtyard نمـط ومنهـا، housing system system ،حيـث يتشـارك السـكان بنايـة من طوابق عدة، وتكون المنافع العامة مشـتركة في سـاحة متوسـطة يمكن أن يكـون فيها حديقة للجميع بدل أن تنفرد كل وحدة سكنية بحديقـة خلفيـة أو تكـون سـاحات متعددة الاستخدامات كالاجتماعات والمناسبات بدلا من أن يخصص كل ساكن مساحة في منزلة للمناسـبات أو الأنشـطة الأخرى، وذلك طبعا يتطلب انفتاحا اجتماعيا وتنظيما مؤسسـيا بيـن الأهالي، وهـذا يتطلـب وعيـا اجتماعيا كبيرا، ولكـن في المسـتقبل لا توجد خيارات كثيرة سوى التشارك في الموارد والمساحات حتـى تسـتطيع المـدن احتضـان الملاييـن القادمة وتعمل بكفـاءة أكثر.